The Toxic Environment Between Reality and Exaggeration: A New Perspective on Workplace Challenges
أصبح المصطلح يُستخدم لوصف أي تجربة مزعجة أو توتر طبيعي، سواءً كان ذلك بسبب مدير حازم، أو تحدّيات العمل
تردد في السنوات الأخيرة مصطلح “بيئة العمل السامة” على ألسنة الموظفين والمدراء على حد سواء، حتى أصبح من أكثر المفاهيم تداولاً في عالم الموارد البشرية. ومع اقتراب اليوم العالمي للصحة النفسية في 10 أكتوبر، من المهم أن نقف ونسأل أنفسنا: هل نستخدم هذا المصطلح بالشكل المطلوب؟ أم أننا حولناه إلى وصفٍ جاهز للشعور بعدم الراحة أو أي خلاف في بيئة العمل؟
لقد كان يُستخدم هذا المصطلح سابقاً لوصف أماكن عمل تتسم فعلاً بسلوكيات مؤذية وممنهجة مثل التنمر، والتمييز، والإقصاء، والاستغلال، وهي ممارسات يمكن أن تترك آثاراً نفسية عميقة على الأفراد، وتؤدي إلى الاحتراق المهني أو الأزمات النفسية، إلا أنه في السنوات الأخيرة أصبح يُستخدم لوصف أي تجربة مزعجة أو توتر طبيعي، سواءً كان ذلك بسبب مدير حازم، أو تحدّيات تتعلّق بمشروع كبير، أو اختلاف وجهات نظر بين الزملاء، وهنا تكمن المخالطة بين المفاهيم، و بتنا نصف كل تجربة صعبة بأنها “سامة”، بما يُجرّد المصطلح من معناه الحقيقي.
كنت أعمل في مجال علم النفس البشري لعدة سنوات قبل الانخراط في مجال التوظيف، ورأيت عن قرب آثار بيئة العمل غير الصحية على الثقة بالنفس، إلى جانب آثارها طويلة الأمد على الأفراد.
ولذلك، أُدرك تماماً أهمية الوعي بالصحة النفسية في مكان العمل، ولكنني في الوقت نفسه أرى أن الإفراط باستخدام المصطلحات النفسية دون تمييز قد يؤدي إلى نتائج عكسية.
وفي الوقت الذي تبذل فيه دولة الإمارات العربية المتحدة جهوداً كبيرة لبناء بيئات عمل تقوم على السعادة والإنتاجية والاحترام المتبادل، وتضع رفاه الإنسان في قلب التنمية الوطنية من خلال رؤية “نحن الإمارات 2031″، وتؤكد فيه على أهمية بيئة العمل كعامل رئيسي في تعزيز التنافسية والابتكار، ينبغي علينا أن نحافظ على دقة المصطلحات التي نصف بها تجاربنا المهنية، حيث تُشكّل اللغة الوعي العام، وما نقوله عن
بيئة العمل يؤثر في الطريقة التي نتعامل بها مع التحديات، فالعمل بطبيعته ليس مريحاً دائماً، والنجاح لا يولد في مناطق الراحة، بل في مساحات التحدي والنمو.
قد نختلف مع أحد الزملاء، أو نتلقى ملاحظة قاسية، أو نواجه ضغوطاً في إنجاز مشروع مهم، كل هذه المواقف هي ضمن بيئة العمل الطبيعية، ولا تعني بأن بيئة العمل سامة، بل هي لحظات ومواقف تصنع الخبرة، وتبني المرونة النفسية، والقدرة على التكيف.
كما تكمن الخطورة في استخدام هذه المصطلحات في الأثر على القيادة والإدارة، حيث نرى العديد من القادة والمدراء اليوم يخشون إعطاء ملاحظات صريحة لمحاسبة موظف على أداء ضعيف، خوفاً من اتهامهم بالسمية، وفي هذه الحالة يولد لدينا مجموعة من القيادات المترددة، وتتحول بيئة العمل إلى مكان باهت، بلا طموح ولا مساءلة، وهنا تتشكل المفارقة: الخوف من السمية قد يخلق السمية الحقيقية.
وبناءً على ذلك، نرى بأنه من المهم أن نعلم الأجيال الجديدة من الموظفين أن الشعور بعدم الراحة لا يعني بالضرورة وجود خطر، بل ربما يكون إشارة على النمو الشخصي، فالتحديات المهنية هي فرص لتعلّم مهارات جديدة كإدارة الخلافات، والتواصل الفعّال، وضبط الانفعالات، وهي مهارات لا يمكن اكتسابها في بيئة خالية تماماً من التوتر.
ما نحتاج إليه ليس إنكار المشاعر أو تبرير السلوكيات الخاطئة، بل التمييز بين ما هو صعب وما هو مؤذٍ، وعلينا أن نحتفظ بقوة المصطلح ليبقى وصفاً عادلاً للحالات التي تستحقه فعلاً، وليس استخدامه كوسيلة للهروب من المسؤولية أو لتبرير الفشل.
إن بناء ثقافة عمل صحية لا يتحقق فقط عبر الشعارات، بل من خلال الحوار الصادق والمفتوح بين أصحاب العمل والموظفين. وبدلاً من إطلاق أحكام عامّة، يمكننا التعبير بدقة من خلال أفكار تحمل عناوين مثل: “لا أشعر بالأمان للتعبير عن رأيي بالاجتماعات..”، “إن غياب وضوح التوقعات قد يؤدي إلى الإرهاق..”، “نحتاج إلى تحسين التواصل الداخلي..” هذه الجمل تفتح الباب للإصلاح بدلاً من الاتهام، وتشجع على حلول واقعية تعزز الأداء الجماعي دون كسر الروح الفردية.
لقد قطعت دولة الإمارات شوطاً كبيراً في بناء منظومة عمل متوازنة تُقدّر الإنسان وتستثمر في رفاهيته ومهاراته، والحفاظ على التوازن يتطلّب وعياً لغوياً وثقافياً ناضجاً، نعرف فيه متى نصف البيئة بالتحفيزية، ومتى نصفها بالمؤذية، ومتى نختار ببساطة أن نتحلى بالصبر والمهنية.. لأنه بوصفنا كل ما هو صعب بأنه
“سام”، لن يبقى أمامنا مجال للنمو، وإذا جعلنا من كل تحدٍّ أزمة، فلن نصنع قادة المستقبل الذين نتطلع إليهم.
بقلم: تياغو كوستا – المدير التنفيذي لشركة باريسيما